تعديل قانون الانتخابات في تونس: تداعيات وأبعاد الأزمة الانتخابية

تعديل قانون الانتخابات في تونس
مسيرة احتجاجية سابقة ضد الرئيس التونسي قيس سعيد (الجزيرة)

 في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية التونسية، أقر البرلمان التونسي تعديلًا عاجلًا على قانون الانتخابات، وسط اتهامات بتعميق الأزمة الديمقراطية في البلاد. هذا التعديل الذي جاء قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أُثيرت حوله الكثير من التساؤلات، لا سيما فيما يتعلق بتوقيت المصادقة عليه ودوافعه الحقيقية.

خلفية التعديل وأهدافه

تمت المصادقة على تعديل قانون الانتخابات من قبل 116 نائبًا من أصل 161. هذا القانون الجديد قام بتحويل سلطة الفصل في النزاعات الانتخابية من المحكمة الإدارية المستقلة إلى القضاء العدلي. وقد عُدّ هذا القرار مثيرًا للريبة، خاصةً في ضوء تزايد الاتهامات للحكومة والرئيس قيس سعيد بمحاولة التحكم في نتائج الانتخابات.

المنظمات الحقوقية وردود الفعل المعارضة

عدد من المنظمات الحقوقية، مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أبدت اعتراضها على هذا التعديل، معتبرةً إياه تراجعًا عن المكتسبات الديمقراطية التي تحققت بعد الثورة. هذه المنظمات رأت في التعديل محاولة لإضعاف دور المؤسسات المستقلة، وتقييد حرية الطعن في قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

خلفيات الأزمة بين المحكمة الإدارية وهيئة الانتخابات

الأزمة التي كانت وراء الإسراع في تعديل القانون الانتخابي تعود إلى الصراع المحتدم بين هيئة الانتخابات والمحكمة الإدارية. المحكمة، التي أصدرت أحكامًا نهائية لصالح ثلاثة مرشحين تم استبعادهم من السباق الرئاسي، أُجبرت على مواجهة تعنت الهيئة التي رفضت تنفيذ تلك الأحكام. مما أدى إلى اتخاذ البرلمان قرارًا سريعًا بإدخال التعديل الجديد، الذي يحد من صلاحيات المحكمة الإدارية وينقل النزاعات الانتخابية إلى القضاء العدلي.

تحليل قانوني: منع الطعون الانتخابية

من منظور قانوني، يشير المحامي وأستاذ القانون الدستوري عبد الوهاب معطر إلى أن الهدف الأساسي من التعديل هو منع المرشحين المستبعدين من الطعن في نتائج الانتخابات. بموجب التعديل، لن يتمكن هؤلاء المرشحين من تقديم طعونهم إلا أمام القضاء العدلي، الذي يخضع بشكل مباشر لتعليمات السلطة التنفيذية. هذا التغيير، بحسب معطر، يمثل خطرًا حقيقيًا على نزاهة العملية الانتخابية، حيث يُفقد الطعون الانتخابية مصداقيتها ويضع القضاء العدلي تحت سيطرة الحكومة.

التعديل وتأثيره على نزاهة الانتخابات

التعديل على القانون الانتخابي لا يقتصر فقط على تغيير المحكمة المختصة بالنظر في الطعون، بل يتجاوز ذلك ليشمل منح هيئة الانتخابات حرية أكبر في التصرف بأصوات المرشحين، بما في ذلك حذفها جزئيًا أو كليًا بناءً على ما تراه الهيئة مخالفًا للقوانين. في الوضع السابق، كانت المحكمة الإدارية هي الجهة الوحيدة التي يمكنها إعادة الأصوات المحذوفة إذا ما تبين أن المخالفات ليست واضحة أو مؤكدة.

توجيه اللعبة الانتخابية لصالح الرئيس

وفقًا لما يراه معطر، فإن الرئيس قيس سعيد يسعى من خلال هذه التعديلات إلى السيطرة الكاملة على العملية الانتخابية وضمان عدم وقوع مفاجآت تعرقل فوزه بولاية جديدة. مع انحسار شعبيته، يبدو أن سعيد يعمل على تحييد أي تهديدات انتخابية عبر إعادة تشكيل قواعد اللعبة لصالحه.

تأثير التعديل على المرشحين

بعد استبعاد ثلاثة مرشحين رئيسيين من السباق الرئاسي، وهم عبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي وعماد الدايمي، تبقى فقط مرشحين اثنين في المنافسة. أحد هؤلاء المرشحين، العياشي زمال، يقبع في السجن بتهمة تزوير التزكيات، وهو ما يراه كثيرون محاولة واضحة لإقصائه من المنافسة. المرشح الآخر، زهير المغزاوي، الذي كان داعمًا لمسار الرئيس سعيد في البداية، أعلن مؤخرًا معارضته لتوجهاته السياسية.

التعديل الأخير على قانون الانتخابات في تونس أثار العديد من التساؤلات حول نزاهة الانتخابات المقبلة وشفافيتها. مع تفاقم الأزمة بين المحكمة الإدارية وهيئة الانتخابات، والتساؤلات حول مدى تأثير السلطة التنفيذية على القضاء العدلي، يبقى الشكوك تحيط بمستقبل الديمقراطية التونسية. هذه التطورات تُظهر مرة أخرى أن السياسة في تونس لا تزال تعاني من التوترات والانقسامات، في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى حلول تجمع ولا تفرق.

تعليقات